- كتب: جمال حسن
قرأت كتاب الفيلسوف العربي الكندي “رسالة في الموسيقى” وهو اقدم كتاب عربي موجود في التنظير الموسيقي. وبشكل عام اقدم كتاب عن الموسيقي كتبه العرب موجود، لأن كثير مما كتب قبله اندثر.
ما لفت نظري، هو اعتماد الكندي السلم الموسيقي وفق الطريقة الغربية اليوم، القائم على 12 نغمة، تفصل بينها أبعاد متساوية، نصف بعد. وبالطبع حدد النغمات بحروف أبجدية، هي أ ب ج د ه و ز ح ط ي ك ل.. وتبدأ من نغمة لا التي يرمز لها حرف أ.
والمهم، أنه حدد السبع النغمات الكاملة، مؤكدا ان كل نغمة هي نفسها في الطبقات المختلفة، او وفق تحديده من خلال تسمية الأوتار. وحدد البعد بين النغمات المتطابقة بين الطبقة الاولى والثانية ثمان أبعاد، وبين الأولى والثالثة 15 بعد.
وما أثار تساؤلي هل كانت الموسيقى العربية خالية من أرباع النغمة، وهي المعروفة في الموسيقى الشرقية.
هذا الطابع التحليلي، تغير مع ظهور كتابات المسلمين الفرس وتحديدا عند ابن سينا والفارابي. ومن بعدهم صفي الدين الأرموي اخر الموسيقيين في العصر العباسي، والذين حددوا النغمات بعلامات مختلفة في كل طبقة، وقسموا السلم الى 17 نغمة، بما في ذلك أرباع النغمة.
أرى أن المفاهيم الموسيقية كانت أكثر تقدمية عند الكندي من ناحية العلامات، وعقدتها المصطلحات والمفاهيم الفارسية. أيضا أرى أن الموسيقى الفارسية والتركية، هي التي جلبت لنا المقامات ذات ارباع الصوت ودمجتها في سياق ساهم في ركود الموسيقى العربية. خصوصا من ناحية المفاهيم والمصطلحات.
هل العلامات التي اعتمدها الكندي، كانت متأثرة بالمدارس اليونانية، وهذه الأخيرة تأثرت بشكل كبير بالمفاهيم الموسيقية في الشرق الأدنى تحديدا في سوريا. ومن الواضح انه تأثر بالتنظيرات الإغريقية خصوصا في الجوانب غير المرتبطة بالموسيقى، أي في ما يتعلق بأوصاف خلقية ونفسية، وربطها بحركة الكواكب والعناصر.
لكن يمكنني القول ان الإطار السلمي الذي رسمه الكندي بدءا من نغمة لا. هو المعتمد في الرموز الأوروبية للعلامات الموسيقية، التي تبدأ من A أي من نغمة لا.
أي خلافا لما تعتبره الكتابات الموسيقية الغربية في العصر الحديث، بوصفه ناتجا عن خطأ، لاعتمادها السلم وفقا لسلم المينور الذي يقابله النهاوند في الموسيقى العربية، والذي يبدأ ركوزه من درجة لا.
ما أقصده ان كثير مما نعتقده مقامات عربية أصيلة، وهي تلك التي تستند إلى ارباع الصوت، ربما ليست كذلك، وجاءت من تأثيرات فارسية وتركية. لا نستطيع التأكيد على ذلك، أشار الكندي إلى الأرباع، لكن مصطلحاته بحاجة إلى تعمق ودراسات متخصصة تعطينا صورة أعمق. كما أن اشارته، جاءت هامشية، ولم يضعها ضمن السلم، ربما لندرة استخدامها أو في سياق زخرفي، أكثر مما هو سلمي. مسائل لا يمكننا الجزم بها.
هذا موضوع واسع ويتطلب جهد بحثي، واثبات منهجي دون الخضوع لتسرع الأحكام. لكن يكفينا إشارة إلى مضمون السلم المعتمد لدى الكندي. وربما الحديث عن أسطورة زرياب وصراعه مع اسحق الموصلي هو إشارة إلى صراع بين الثقافة الموسيقية العربية والفارسية. وسأذهب إلى ما ذهب له كمال النجمي الناقد الموسيقي المصري، حول هذا الصراع، منحازا إلى الموصلي.
هل رفض الموصلي بدع فارسية تميل بأسلوب الغناء واللحن الى سمات تتسم بميوعة أو ما اصبح ملتصقا بالموسيقى العربية كنوع من “التخ$نث”. وأرادها جليلة وأكثر صرامة. لاحقا ستنتصر الروايات لزرياب، وستنتصر طرق غير عربية. وهذا مع هيمنة العناصر غير العربية في البلاط العباسي. وسيطرة نخبه.
مازال لهذا الموضوع مسار بحثي طويل..