- كتب: د. عبدالعزيز علوان
إلى الدكتور صادق المخلافي
ها أنت تذهب بعيدًا عن منغصات أوجاعنا المتذبذبة بين البينين، وفي الآن ذاته تقترب زلفى من إلتئام النفس بما تفتت من كبدها.
[الكبد كعضو لها أسرار .. ومنها إذا كان الكبد معافى يكون الجسد معافى ولا يخفى علاقة الكبد التى تعمل في منظومة متكاملة مع أجهزة الجسم الأخرى .. الجهاز الهضمي وجهاز القلب والأوعية الدموية وجهاز المناعة والجهاز العصبي والدماغ وغيرها ..].
[يصف الأديب التشيلي ( بابلونيرودا ) الحائز على جائز نوبل في الأدب ( عام 1971) ِ.. الكبد في قصائــده بعدة أوصاف من ضمنها الصديق المنظم والمتواضع وأيضا أطلق عليها الماكينة اللامرئية والمجهول الصامت والعامل تحت الأنفاق وأيضًا تعرف الكبد بالجندي المجهول].
أما الشعراء العرب منذ الجاهلية في معلقاتها وحتى اليوم فإن بعضًا من قصائدهم كتبت وماتزال تكتب بدماء القلب الولهان، والنزيف الملتهب من الكبد المقروحة عشقًا وهيامًا، وتوجعًا أشد اضطرامًا في تلك المراثي كمرثاة صخر (للخنساء)، والمراثي التي تتقطع في أقوالها الأكباد على فلذات الأكباد.
فهل يمكننا القول بأن الشعراء العرب هم أول من طرق فكرة بيع وشراء الأعضاء البشرية وخصوصا القلب والكبد.
فهذا الشاعر [الذي يبت لواعجه ويشكو بثه وحزنه ونوائبه، حتى ليكاد يشعر بكَبِده تغلي كغلي الماء في المرجل, فيتمنى أن يُبدّل هذه الكبد التي أصابها الكَمَد والكَبَد والكَدَحُ والقُروح, بكَبِدٍ ما عطبت بَعْدُ, ولكن أَنَّى له ذلك! ].
ولي كبدٌ مَقْروحةٌ مَن يَبيعُني
بها كَبِدًا ليستْ بذاتِ قُروحِ
إن هذا الشاعر الذي وقف في المزاد العلني الذي أقيم في سوق الشعر العربي لم ينتظر المبادلة الحقيقة بالتبادل العضوي للكبد المقروحة بتلك التي ليست بذات القروح ولكن صرح في البيت الثاني بخيبة أمل في أسلوب استنكاري قائلًا:
أَبيعُ وَيَأبى الناسُ لا يَشتَرونَها
وَمَن يَشتَري ذا عِلَّةٍ بِصَحيحِ
لن أدخل في الجدل بخصوص تحليل أو تحريم زراعة الأعضاء البشرية (تجارتها). المحتدم بين الطب والشريعة والأخلاق، وإنما أريد التنويه إلى أن فكرة تبادل الأعضاء البشرية، وخصوصًا تلك المرتبطة بالعاطفة حبًا وشقاء، وتلك المتهلبة في أتون الفقد كانت فكرة تخيلية شعرية (في شعر العرب المستوحى من وادي عبقر المنسوب للجن)، وأصبحت في وقتنا الحالي ممكنة التبادل بين بني البشر (في وادي عباقرة التقدم العلمي).
الاسترسال بتتبع الشواهد الشعرية التي قيلت في الكبد وحرارة لهيبها، وفي القلب وغليان دمائه كثيرة جدًا؛ وهناك دراسة مميزة قام بها الباحثان محمود رمضان الديكي الجبور، ومؤيد أحمد عايد الشرعه)، بتتبع التوليدات الدلالية للفظة الكبد ومرادفاتها، وذلك في القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر العربي في مختلف عصوره، (أنظر مجلة الزيتونة (2002 إصدار خاص).
سأكتفي هنا بإيراد بعض الشواهد الشعرية التي قيلت في الكبد والقلب، وسأحط الرحال عند أشهر الأغاني التي تتطرق إلى فكرة تبادل الأعضاء البشرية (القلب والكبد).
يصرح ديك الجن بقوله:
ولي كبدٌ حرَّى ونفس كأنها
بكفي عدوِِ ما يريد سراحه
بمعنى أن كبده صارت أسيرة بيد عدوه، ولم يبين ما إذا كان هذا العدو يريد فدية ما ليفك بها أسر كبده.
أما البحتري فيقول:
وما كبدي بالمستطيعة للأذى
فأسلو ولا قلبي كثير التقلب
ونجد الأحنف يقول:
حتى متى كبدي حرى معطشة
ولا يلين لشيء قلبك القاسي
أما عنترة العبسي الذي ود أن يقبل السيوف التي لمعت كثغر عبلة المتبسم فيشكو لها مافي كبده من نار الغرام ومافي فؤاده من أسهم الشرر:
يا عَبلَ نارُ الغَرامِ في كَبدي
تَرمي فُؤادي بِأَسهُمِ الشَرَرِ
ويقول البردوني للشرطي الذي اعتقل أحدهم من شوارع صنعاء، عندما أمره بالنزول من السيارة التي أخذه فيها إلى المعتقل قائلًا له:
أنزل وصلنا، بودي أن اظل هنا
أشوي النجوم وأحسو الليل في كبدي
نماذج من تبادل الأعضاء (القلب) في الأغاني من الشعر العربي نصغي للمرشدي وهو يتغني بـ:
من معيري قلبا صحيحا ولو
طرفة عين إن كان قلبا يعار.
وفي إحدى أغانيه (من قول الفضول) يقول أيوب طارش لحبيبه:
هات لي قلبك وخذ قلبي معك
يمكن اقدر اهجرك أو أخدعك
وبعد أن أعيا أيوب طارش الشدو يقف في مزاد علني بين المحبين قائلا بأعلى صوته:
من يبايعني بقلبي أنا بياع
شتتري لجل أنسى الحب اللي ضاع
قلب ثاني.
- ما جاء بين القوسين [ ] منقول.