- كتب: د. عبدالعزيز علوان
المساح سيزيف اللحظة:
سأطلق على محمد المساح (سيزيف اللحظة) وهي الفترة الزمنية القصيرة جدًا، والتي تقدر بلحظ العين، والممتدة لخمسة عقود من صباحات الثورة اليمنية (الصحيفة) والتي ظل المساح يستوقف بها الزمن، وهو يتقدم جموع قرائه للوصول إلى محطة هذا الاستيقاف الذي لن يتوقف حتى تقف صخرة سيزيف في قمة الجبل.
بعد هذه المقدمة يقفز أمامنا سؤال جوهري هو لماذا طلب المساح من الزمن التوقف اللحظي؟.
في تقديري إن مراد المساح؛ كان له مسوغاته الأدبية والنقدية لواقع تلك (اللحظة الزمنية) باعتبار الزمن شاهد عدل تاريخي وأدبي واجتماعي ونفسي وسياسي وفكري وتربوي على هذه اللحظة، والتي تمثل نقد الواقع الذي عاشه المساح والمجموع في 228 صفحة في كتاب من إعداد انتصار السري وفوزي علي الحرازي. كما يحتوي الكتاب على شهادات عن المسّاح، من عام 1971م حتى عام 2016.
لست هنا بغرض استعراض تلك الشهادات وإن كانت بي رغبة في تصفح تلك اللحظات كي استعيد مذاقات صباحاتها. ولكن ما في اليد حيله كما يقال فالكتاب غير متوفر حاليًا، على الأقل في تعزِ.
(الكلبة) ملكة جمال الكدرة
احدى هذه اللحظات العالقة جزئيًا في الذهن هي بعنوان ملكة جمال الكدرة (والكدرة هي المساحة الشاسعة من الأرض الزراعية تربتها طينية) يصور المساح في هذه اللحظة، مهرجان سباق لمجموعة من الكلاب يتنافسون على المركز الوحيد الذي يفوز به كلب واحد يكن جديرًا بتلقيح (الكلبة) ملكة جمال هذه الكدرة، أمام بقية الكلاب الذين كانوا يتسابقون على الفوز بتلقيحها.
أزعم أن زمن المساح لم يأت بعد ولكنه سيكون في متناول الدراسات الأكاديمية في أقسامها (الأدبية والاجتماعية والنفسية على وجه الخصوص) وغيرها من المجالات.
الفتيح: (سيزيف الفرحة):
لم يستوقفني، استيقاف الزمن الفتيحي نسبة (محمد عبدالباري الفتيح) سوى هذه اللحظة، مع أنني من مدمني قراءة الفتيح، وأكثر إدمانًا لاستماع الفنان عبدالباسط عبسي.
أما كيف تم استيقافي فلست أدرى سببًا لحدوثه غير أنه حدث.
سأسمي الفتيح (سيزيف الفرحة) التي ظل ينشدها قولًا وفعلًا، ولكنه ما أن يصل إلى ملامستها، تفر من عينيه..
ليلة أنس وطرب ورقص وفرحة لا حدود لها وكأنها واحدة من تلك التي ترد في المتخيل الشعبي، الذي كانت تحكيه شهرزاد للمك شهريار لكي تظل على قيد الحياة.. وهي تستعد في الليلة التالية لإكمال حكاياتها السابقة حتى وصلت إلى ألف حكاية وواحدة.
الفتيح في اقتران قمري الخميلة بالعيلة (حمام بري) يجعل هذا الاقتران المؤنسن للطائرين، كأنه احدى ليالي ألف ليلة وليلة تلك.
يسرد الفتيح احتفاءه بهذه الليلة ويصف تقاسيمها الاحتفالية بين (طاسةْ) و (عود) الذي يتناغم ايقاعهما في فرحة من غير حدودِ. ومن ثمة يتوجه الفتيح إلى الليل (باعتباره إسمًا من أسماء الزمن) مستوقفًا إياه بقوله:
ياليل سنب ياليل حتى دقيقه ياليل
ويبدو أن غرض الفتيح واضح من استيقاف الليل ليكن شاهد عدل على اقتران قمري الخميلة بالعيلة كأنسنة للطير أو مجازًا لإقتران بشري (زفاف) شباب بفتاة.
يتفق هذا الطلب مع المسوغ الذي أراده الفتيح من استيقاف الليل، وهو مشاهدة (الزهرة) إلى جانب (سهيل) وهي كواكب ارتبطت بالحياة الزراعية في اليمن. وهما في أحسن جمالهما.
التشديد على استيقاف الليل حتى دقيقة هدفها أن يقوم الليل (بكره/غدًا) لابلاغ الضحى بجمال البارحة التي أحالها الراعي والشارحة إلى ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة.
- تعز 30 يونيو 24